مقابلة | لغة الضاد بين الطلاب إلى أين؟

يصادف يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام اليوم العالمي للغة العربية، إذ تقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ نسبة إلى اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في كانون الأول/ ديسمبر

مقابلة | لغة الضاد بين الطلاب إلى أين؟

(توضيحية - أ ف ب)

يصادف يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام اليوم العالمي للغة العربية، إذ تقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ نسبة إلى اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في كانون الأول/ ديسمبر عام 1973، الذي أقر بموجبه إدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

ولو تطرقنا إلى مكانة اللغة العربية بين أهلها وأصحابها من الناطقين بالضاد لوجدنا النتائج كارثية في ظل الأخطاء الشائعة. وبهذا الصدد حاور "عرب 48" الباحثة المتخصصة ومديرة برامج المجتمع العربي في مركز التجديدات في التربية، سالي عوض عصفور، من الناصرة حول تراجع اللغة العربية ومكانتها بين الطلاب وما آلت إليه هذه اللغة الواسعة الزاخرة والغنية بالمفردات والمترادفات وبحورها الشعرية.


"عرب 48": تمر اللغة العربية في أحلك ظروفها، وهذا يبدو جليا من خلال تحصيل الطلاب وعدم معرفتهم للغة، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي كشفت الوجه الحقيقي لمن يُنظر إليه على أنه مثقف ومتعلم وتجد في كتاباته وتعبيره العجب! ما الذي يحدث للغة العربية؟

عصفور: هناك عدة أسباب لتراجع اللغة العربية، نحاول أن نجملها في القول إن اللغة العربية هي واحدة من أصعب لغات العالم إن لم تكن الأصعب على الإطلاق، وتكمن صعوبتها في كونها لغتين، ويُنظر إلى اللغة العامية واللغة الفصحى على أنهما لغتان مختلفتان، وهذه واحدة من الصعوبات التي نلاحظها وتواجهنا في المدارس، فضلا عن أن المنهاج في المدارس لا يتعامل مع اللغة العربية على أنها لغة أم للطالب العربي، ويصل الطالب إلى المدرسة وهو يعاني من نقص رهيب في المفردات والكلمات الفصحى، التي تختلف بشكل جوهري عن اللغة المحكية التي نشأ واعتاد عليها في البيت، لذلك فإن قاموسهم اللغوي ركيك جدا، لذلك نلاحظ بأن اكتساب اللغة هي عملية صعبة ومعقدة بالنسبة لهم، وما يحصل عليه الطالب في المدرسة هو تعلّم المنهاج وليس تعلّم اللغة مع التشديد على فهم المقروء والتعبير الكتابي واكتساب اللغة كقراءة وكتابة، في حين أن هناك مهارات عديدة أخرى في اللغة نحن بحاجة لاكتسابها كلغة أم.

وحتى يكتسب الطالب اللغة ينبغي أن يكون مكشوفا عليها في كل مكان من حوله، في الشوارع وفي المحال التجارية وفي محطات الباصات والحيز العام، بينما في الواقع نحن مكشوفون في هذا الحيز على اللغة العبرية ولذلك تجدنا ندمج ما بين اللغتين العربية والعبرية، ونستخدم المصطلحات العبرية، أما في البيت ولدى مشاهدة الأفلام واستخدام الهاتف المحمول فهو مكشوف على اللغة الإنجليزية، لذلك نلاحظ المزيد من التوجه نحو استخدام مصطلحات بالإنجليزية ربما أكثر من العبرية. لذلك تبقى اللغة العربية الفصحى في المرتبة الثالثة بين اللغات التي ينكشف عليها الطالب.

"عرب 48": لو أردنا اليوم أن نطور من مهارات الطلاب في لغتهم العربية وأن نضع الإصبع على الجرح؛ أين تكمن الجوانب التي ينبغي العمل عليها من أجل تطوير مهارات الطلاب وإعادة الاعتبار للغة العربية؟

عصفور: أعتقد أننا نحتاج إلى برنامج شمولي واسع وغير محدد، يبدأ بالثقافة، فنحن اليوم نخسر ثقافتنا وحضارتنا العربية والرابط بيننا وبين لغتنا لم يعد متينا، يجب أن نقوي الانتماء والشغف لمحبة اللغة العربية وهي أجمل لغات العالم ليس فقط أوسعها، ونحن نؤمن بأن قدرة التفكير مرتبطة بقوّة اللغة، وكلما كان مستوى اللغة أعلى كلما كان تفكير الإنسان يمتد إلى مدى أبعد، والعكس صحيح كلما كانت اللغة ضعيفة كلما كان التفكير سطحيا يفتقر إلى العمق، لذلك من المهم جدا أن نعزز منظومة اكتساب اللغة.

الخطة يجب أن تبدأ من الصفر من تعزيز الانتماء والهوية الذاتية لي كمواطن عربي، ونلاحظ أن لجنة متابعة التعليم العربي تنبّهت مؤخرا لهذا الأمر وشرعت بمبادرات تهدف إلى تعزيز الهوية والانتماء، وحتى أن الحكومة الحالية تبدي ليونة إزاء هذا الجانب التربوي الثقافي، الذي كانت ترفضه الحكومات المتعاقبة وتعتبره خطرا يهدد هوية الدولة، وكانت هذه واحدة من الأخطاء الأساسية لجهاز التربية والتعليم في عدم إتاحة المجال للطالب العربي للتعرف على هويته وانتمائه وحضارته الأمر الذي حال دون وجود ترابط بين الطالب ولغته وثقافته وحضارته.

"عرب 48": نسمع بعض الطلاب وحتى الجامعيين يقولون ويكررون عبارة "ما حاجتي لمعرفة اللغة العربية، ولم أكن يوما ما بحاجة إلى الكتابة العربية الصحيحة". هل كون العرب على هامش صفحات التقدم العلمي والابتكار والإنجازات البشرية ما يجعل لغتهم هامشية أيضا؟

سالي عوض عصفور

عصفور: في الواقع إن الادعاء بأن الطالب الجامعي قد لا يحتاج إلى كتابة أي نص بلغة عربية صحيحة هو ادعاء حقيقي وله ما يبرره فأنت لو أردت حتى إرسال سيرة ذاتية لمشغّل عربي فإنك ترسلها بالعبرية او بالإنجليزية، ولو راجع كل واحد منا نفسه متى كان بحاجة إلى كتابة نص باللغة العربية، فقد يكون الجواب "صفرا" أي ولا مرة، سوى في مواضيع الإنشاء التي تعلمها في المدرسة.

إلى ذلك، ثقافة القراءة عندنا نحن العرب تكاد تكون معدومة، ومعدل القراءة (المطالعة) لدى الشعب العربي قد لا يتجاوز البضع صفحات في السنة. ولا ننسى أن واحدة من أسس تعزيز اللغة لدى الطالب هي القراءة، ونحن مجتمع غير قارئ. ولو نظرنا إلى طريقة تواصلنا مع بعضنا البعض عبر التطبيقات ومواقع التواصل نجد أننا لا نستخدم لغة رسمية أو فصحى، بل لغة "تشات" أي كلمات عربية بحروف عبرية أو بحروف إنجليزية وقد تكتب كلمات إنجليزية بحروف عربية وهو ما أحدث تشوّها رهيبا في اللغة، لذلك نحن نرى أخطاء لم نكن نراها في زماننا مثل كلمة "شكرا" تكتب "شكرن"، كتابة سماعية لفظية دون أن يلتفت الشخص إلى شكل الكلمة بصريا، فتكون كلمات مشوّهة، وهذا يضعف اللغة العربية ويعيدها إلى الخلف بدل أن يقويها ويعززها. واستمرارا لسؤالك، نعم ولأن حصة العرب في التكنولوجيا والعلوم هامشية جدا نلاحظ بأن طلابنا الذين لا يشعرون بالانتماء للغتهم يتجهون نحو تعزيز لغتهم الإنجليزية الكفيلة بضمان تطوّره في مجالات الهايتك.

"عرب 48": ما دور المعلم وأقصد معلّم اللغة العربية، ومنهاج التعليم هل هو كفيل بمنح الطالب ما يحتاجه من قدرة على الكتابة التعبير سواء الكتابي أو الشفهي؟

عصفور: لا أريد هنا أن أكون ناقدة فليس هذا هدفي، ولكن أقول إن طريقة التدريس وتأهيل المعلمين اليوم لا توافق العصر، ونلاحظ أن الطالب اليوم يسبق المعلم بكثير من حيث المعلومات والخبرات التكنولوجية بينما بقي المعلم على حاله، ودعنا هنا نراجع الأيام التي كنا فيها طلابا، فقد كانت تخصص لنا حصة واحدة في الأسبوع للتعبير، وحصة واحدة للقواعد وربما مرة واحدة في الشهر كان يُطلب منا كتابة موضوع إنشاء، فمن أين لنا أن نتعلم لغتنا بشكل يمكننا من كتابة نصوص صحيحة؟

ومن هنا أعتبر اللغة العربية الفصحى هي لغة غريبة بالنسبة للطالب فهو لم يكن مكشوفا عليها من قبل. أمر آخر ساهم في تراجع كل منظومة التربية والتعليم عموما واللغة العربية على وجه الخصوص هو المعلم الذي يصبح معلما للغة العربية بسبب افتقاره إلى الإمكانيات الأخرى، وهي مهنة يراها جيدة ومناسبة له كمصدر دخل وليس إيمانا منهم باللغة كرسالة وهوية وانتماء، وأنا هنا لست في مقام التعميم وإنما البعض يلجأ لتعلم اللغة العربية لعدم توفر فرص أخرى، وينهون اللقب دون معرفة وثقافة ورسالة وبالتالي نحصل على وصفة مدمّرة للطلاب ولجهاز التعليم. لذلك تجد أن معلم اللغة العربية يقع في أخطاء فادحة في الكتابة لأنه لا يرى في نفسه مهنيّا ولا يخجل من نفسه حين يخطئ! وأنا أكرر دائما مقولة إنك "إذا أردت أن تضرب مجتمعا وتحطّمه أضربه في ثقافته وتربيته".

أما المنهاج الدراسي فهو محدود جدا، يمكن تقييمه على أنه متوسط ودون المتوسط، والأشخاص الموجودين داخل الحقل هم ليسوا على قدر من الجهوزية والمعرفة الكاملة لنقل الرسالة بالشكل الصحيح، خصوصا وأن معلّم اللغة العربية لا يتحدث الفصحى في دروس اللغة العربية، ولا يتيح المجال للطلاب بالتحدث بالفصحى. والمنهاج أيضا يعلم اللغة كما هو مقرر ولا يتيح للطالب اكتشاف بحورها الواسعة وفيه تقييد للانكشاف على اللغة الفصحى.

"عرب 48": أين دور الأهل في تعزيز اللغة العربية لدى أبنائهم كدورهم في تعزيز الانتماء والهوية؟

عصفور: من الطبيعي أن يكون الأهل شركاء في تعزيز اللغة لدى الطالب، ولا شك أن للأهل دور في كل شيء يخص الطالب ولا يجوز تهميش دورهم، فلا بد للأهل إذا كانوا على مستوى من الثقافة والاستقرار الاقتصادي - الاجتماعي أن يعززوا ثقافة القراءة والانتماء لدى الأبناء، لكن بالمقابل هناك نحو 400 مدرسة ابتدائية في المجتمع العربي، أكثر من نصف هذه المدارس يتعلم فيها طلاب تحت خط الفقر، وطلاب من مستوى اقتصادي اجتماعي متدني، وتشير المعطيات إلى أن الطالب القادم من بيئة فقيرة يعاني من فقر في التعليم وفي اللغة، ونصيبه الوصول إلى مراتب عليا تقارب الصفر، وهذا أمر مؤلم جدا ويمس بشكل كبير حقه في المساواة في الفرص.

ليس صدفة أننا نرى اليوم طلابا ينهون المرحلة الابتدائية (الصف السادس) وهم لا يجيدون القراءة والكتابة. وأنا أرفض فكرة أن يكون الأب أو الأم معلما للطالب في البيت، فلكل من الوالدين مكانته في البيت ولا يجوز أن نحوّلهم إلى معلمين، وعلينا الأخذ بعين الاعتبار ن هناك أهال لا يجيدون القراءة والكتابة، ولا أرى بأن دور الأب الذي يكد من أجل توفير لقمة العيش للعائلة أن يعود إلى البيت ليكون معلما، وكذلك الأم فهي لا تملك الآليات الصحيحة للتعليم، وقد يؤثر دورها كمعلمة في البيت على نسيج العلاقة العاطفية والحسية مع ابنها، لذلك على الأهل أن يكونوا داعمين ومتابعين وشركاء في توفير وتهيئة الظروف الملائمة لا أن يكونوا معلمين.

التعليقات